السبت، ١٤ مايو ٢٠١١

تسألات منطقية عن فحوي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم









كتب سلامة كيلة مقالة عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بعنوان ( كيف يكون الإعجاز علمياً؟ - حول أسلمة العلوم و"تأصيل" المكتشفات العلمية ) بموقع الأوان بتاريخ الجمعة 25 آذار (مارس) 2011

و المقالة تتناول نقاط هامة مثل : اذا كان عقول علماء الغرب - التى بالمناسبة أغلبها ملحده و لادينية - لم تقراء نصوص القرآن فكيف لها ان تتوصل للأنجازات العلمية التى يزعم الأشارة إليها فى القرآن؟ مما يطرح تسأل مكمل للتسأل الأول و هو كيف للمتعمقين فى نصوص القرآن لم يستطيعوا التوصل للإنجازات العلمية - او حتى التنبؤ بها - طالما انها مشار إليها فى نصوص القرآن؟





أتركم مع المقالة :-




كيف يكون الإعجاز علمياً؟
حول أسلمة العلوم و"تأصيل" المكتشفات العلمية






أسلمة العلوم هو ما تحاول الأيديولوجية الأصولية الشغل عليه، ليس بمعنى إضفاء طابع إسلاميّ على تدريس العلوم فقط، بل بمعنى إعادة كلّ التطوّر العلميّ وكلّ المكتشفات الحديثة إلى النص الدينيّ، من خلال التأكيد على "المرجعية الدينية" لهذه المكتشفات. ولهذا يصبح لكلّ مكتَشف علميّ جديد أصل في النص الدينيّ (القرآن)، بحيث تجري العودة إلى آيات بعينها، ويجري تفسيرها بما يفيد أنّها تتحدّث عن هذا المكتشف الجديد. وهذا ما بات يسمى بالإعجاز القرآنيّ. فهذا النص "يعرف" هذه المكتشفات قبل أن يكتشفها "الغرب". وبالتالي فإنّ كلّ العلم الحديث لا يعرف أكثر ممّا يتضمّنه النص ذاته. الله يعرف كلّ شيء، ما وجد وما سيوجد، ما اكتشف وما سيكتشف. ولقد ضمّن كلّ ذلك في النص القرآنيّ دون ريب.

لكن، سنلمس هنا بأنّ تفسير الآيات بات يخضع لما توصل إليه العلم، أي أنّ التفسير الذي هو ليٌّ للكلمات بات ينحكم لمكتشف جديد. بمعنى أنّ الآية ذاتها لم يكن من الممكن أن تُفسَّر التفسير ذاته قبلئذ، لأنّ معناها الجديد مستمدّ من اكتشاف جديد. وبهذا لم يعد من معنى محدَّد للآيات نتيجة ذلك، لأنها باتت تخضع للتطوّر العلميّ، وبات تفسيرها يلحق هذا التطوّر. وهنا يصبح منتوج العقل هو مصدر التفسير وليس أي شيء آخر.

هذا المنطق ينطلق من أنّ النص الديني يتضمّن أصلاً كلّ هذه المكتشفات، وما سيأتي منها، ومن ثم ليس من الممكن أن يجري اكتشاف نظرية علمية أو علّة أو طريقة لا وجود لها في القرآن، فهو نص إلهيّ يحتوي كلّ شيء يمكن أن يعرفه البشر. وهو هنا يؤسلم كل التطور العلمي، أي يجد له أساسا في النص الديني، لكي يقول بأنّ –أو يؤكد أنّ- في القرآن كل شيء، ولن يستطيع العقل البشريّ اكتشاف إلا ما هو فيه. وبالتالي فإنّ كلّ ما يمكن أن يعرفه البشر مسجّل في النص الديني هذا. ومن ثم فهو أعلى من العقل البشري، لأنه يسبقه في المعرفة.

لست أعرف لماذا هذا الميل، أو لست أجد سبباً يفرض السعي إلى القول بأنّ في النص الديني ما يعرفه وما لا يعرفون، سوى من أجل فرض هيمنة أيديولوجية مطلقة، لا تقود سوى إلى تدمير "السعي"، وتحويل البحث العلمي إلى بحث لغويّ مفرط في شكليته بدل تطوير العلم، والتأكيد على مقدرة العقل على الاكتشاف. وهو ميل ربما يظهر الطغيان المطلق للشكلية والتواكلية، اللتين لا تفعلان سوى تكريس التخلّف الموروث. وهل من تواكل أكثر من القول بأنّ ما يمكن أن يكتشفه الآخر موجود مسبقاً عندنا، رغم أننا لا نعرفه، ولا نستطيع التوصل إليه، ولن نستطيع عبر هذا الطريق، لأنّ العلم ضدّ الشكلية.

ماذا تعني إعادة كلّ مكتشف علميّ إلى النص القرآني؟ وعمّا تعبّر على صعيد طريقة التفكير المتداولة؟

هنا يمكن أن نتلمّس مستويات ثلاثة تحكم هذا المنطق، فأوّلاً : إنّ المكتشفات العلمية التي يعاد تفسير الآيات على ضوئها قد جرى اكتشافها من قبل أناس لم يقرؤوا القرآن في الغالب، وعلى الأقل لم يعتبروا أنّه مرجع علميّ يمكن الاستناد عليه، وبالتالي فقد توصّلوا إلى مكتشفاتهم عبر التفكير العقليّ والبحث العلميّ. وهو الأمر الذي يجعلنا نقول بأن العقل البشري هو الذي استطاع أن يتوصل إلى هذه المكتشفات، وهو قادر على ذلك. إذن، ما أهمية النص الديني في هذا المجال، سواء حوى أو لم يحوِ ما يفيد ذلك؟ لقد توصّل العقل البشريّ مستقلاً إلى هذه المكتشفات دون حاجة إلى "قول إلهيّ". ولهذا معنى مهمّ، حيث أنّ البشر يستطيعون، عبر "العقل" الذي يملكونه، التوصل إلى مكتشفات هائلة. وبالتالي لن يكون هناك حاجة أو أهمية للنص الديني في هذا المجال. العقل هنا هو المكتشف، وهو الذي يستطيع أن يبحث وأن يتوصل إلى مكتشفات مهمة، ومستمرة.

إذن، العلم يوضّح بأنّ علاقة العقل بالطبيعة هي علاقة مباشرة، ولأنها علاقة مباشرة فهي مثمرة. فهي التي توصلت إلى كل هذا التطور العلمي.

وثانياً: إن "تضمّن" النص الديني لهذه المكتشفات لم يسعف معتنقيه للتوصّل إلى هذه المكتشفات، وهو الأمر الذي يوضّح بأنّ المسألة لا تتعلّق بالنص بل بـ"العقل"، حيث أنّ وجود احتمالية هذا التفسير المتعلق بمكتشف معيّن يجب أن تفضي إلى التوصل إليه عبر "فهم" النص ذاته. لماذا إذن لم يستطع المتبحّرون في النص القرآني، وقرّاؤه ليل نهار، الوصول إلى ذلك إلا بعد أن جرى اكتشافه واقعياً؟

بالتأكيد ليس من فائدة أو أهمية لفكرة لا تقود إلى تحققها في الواقع، أو إلى نظرية لا يجري اكتشافها، أو قانون لم يجرِ تلمّسه. فالاكتشاف هو ما يستطيع العقل البشريّ التوصّل إليه. ولا شكّ أنّ كلّ المكتشفات، والعلمية منها خصوصاً، هي نتاج تطوّر تراكميّ في الوعي بها، ولهذا يستطيع العقل البشريّ التوصل إليها في لحظة محدَّدة. وحين لا توصل الأفكار إلى ذلك فإنّ مشكلة تتحكم بـ"العقل" أو بالنص. هل نقول بأنّ العقل عندنا هو الذي لم يكتشفها في النص، أو انطلاقاً من النص، رغم التمحيص والتدقيق والقراءة المتأنّية المستمرّة على مدى قرون طويلة؟ هل لأنّ التأويل قد انتهى (أو أُنهِي) منذ زمن طويل؟ لكنّ التأويل هو مراوغة في اللغة سوف نشير إليها تالياً. وهل يمكن التوصل إلى هذه المكتشفات دون التجربة؟ لكن ليس في النص الديني دفع نحو التجربة، وعلى العكس تبدو أنها ليست في وارد النص، ولا من أركان السنّة. وبالتالي ما هي العلاقة الممكنة بين النص وتحوّل "مكتشفاته" إلى مكتشفات؟

لكنّ العقل قد اكتشف كلّ المنجزات العلمية دون النص. هنا يكون القول بالإعجاز القرآني تحميلا للنص ما ليس فيه، وليّه بما يناسب مكتشف علمي جديد. وبالتالي تكون مهمة "العقل" هنا هي "إخضاع" الكلمات لما يناسب مفهوما جديدا عبر تأويل يقسر معنى الآيات على ما يناسب طبيعة المكتشف العلمي.

وهذه هي المسألة الثالثة، حيث أن عملية "الإخضاع" هذه تنطلق من تكسير صيرورة الكلمات والمفاهيم، وبالتالي يجري تحميل الكلمات معنى استمدّته حديثاً، أو استمدّته للتوّ مع التفسير اللحظي الهادف إلى مطابقة نص آية من الآيات مع المكتشف العلمي الجديد. وحيث لم يكن لهذه الكلمات هذا المعنى حين صياغة النص. وهنا تتكسر التاريخية وتعم الانتقائية.

حيث أنّ للكلمات صيرورة، كما الأفكار، وكما للوجود ذاته، وليس علمياً أن يستخدم معنى لكلمة تبلور حديثاً لتفسير فكرة وردت فيها هذه الكلمة قبل خمسة عشر قرناً. لهذا يجب أن يجري تلمّس معنى الكلمة زمن النص، لأنّ المعنى يسبق الكلمة، والكلمة هي الترميز للمعنى. وهذا المعنى للكلمة هو الذي يرسخ، ويصبح المحدِّد لمعنى الآيات. ويبقى يتكرّر دون مقدرة على تغييره، حيث سيبدو ذلك خروجاً على السنّة، وتأويلاً مقحماً يعبّر عن انحراف أو حتى إلحاد. ممّا يكرس تفسيراً واحداً مقدّساً لا إمكانية لتجاوزه.

ورغم أنّ التفسير "مقدّس" لا يمكن مسّه إلا أنّ الميل إلى أسلمة العلم تسمح بالدخول في لعبة مراوغة اللغة التي رفضت لدى المعتزلة، وتكرّس المنطق الغزالي الذي يؤكّد أنّ "علينا أن نلتمس الحقائق من الألفاظ". لكن هذه المرة ضدّ العقل، وعبر اتباع تحوير لغويّ يناسب تكييف الآيات مع الحقائق الجديدة. ولهذا يكون الاكتشاف العلمي سابقاً على التفسير ومحرضاً عليه. وإلا لا إمكانية لهذا التفسير الجديد. إن جِدّته نابعة بالتالي من ليّ عنق اللغة لكي تتوافق مع ما هو جديد هنا.

ولكن ما قيمة كل ذلك علمياً؟ لا شيء سوى القول بأنّ النص الديني يحوي كلّ شيء، ما ظهر وما خفي. وما أهمية ذلك في تطوّرنا العلمي؟ لا شيء أبداً. فما قيمة نص لا يوصل إلى مكتشفات علمية، في الحقل العلمي بالتحديد؟ والعلم يفترض تجاوز التأويل لمصلحة البحث والتجريب، والتفكير العقلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق