الجمعة، ٥ نوفمبر ٢٠١٠

اللبس والغموض في فهم العلمانية









كتبت : لمى العثمان - ابتهال الخطيب - شروق مظفر - إيمان البداح

العلمانية من أكثر المصطلحات السياسية إثارة للجدل، ولاسيما من قبل التيارات الاسلاموية المسيّسة؛ ويشوب هذا المفهوم الكثير من الغموض واللبس والتضليل، حيث تكثر النعوت التي يطلقها هؤلاء على العلمانية من إلحاد وكفر ولادينية ومادية، وغير ذلك من المغالطات والفهم الخاطئ والناقص. وما يعمق من هذا الالتباس، التناقض الصارخ الذي يقع فيه من يقبل ويمارس الحياة المدنية والديمقراطية، بينما يرفض لفظ العلمانية رفضا قاطعا، متجاهلا حقيقة أن أسس المجتمع المدني والديمقراطية الحقّة لا تقوم إلا من خلال العلمانية التي تقبل وتتعايش وتتسامح مع جميع الفئات والطوائف والأديان.

 
مفهوم العلمانية الديمقراطية

أثّرت جملة من النقاط بشكل أو بآخر في تعميم المفاهيم الخاطئة للعلمانية ونوجزها في التالي:

-فشل الأنظمة العربية ولاسيما ذات النهج العلماني في تحديث مجتمعاتها وتطورها وتحولها الى انظمة مستبدة.

-تعدد معاني ومفاهيم العلمانية المختلفة، من علمانية جزئية وعلمانية شاملة وعلمانية مستبدة وعلمانية ديمقراطية، وغيرها من المفاهيم.

-انتشار الغلو والتطرف الأمر الذي أدى إلى استخدام التيار المتشدد للنصوص الدينية في تكفير العلمانية والعلمانيين، وتوظيف الدين في إحكام سيطرتهم وتثبيت مكتسباتهم.

ان العلمانية الديمقراطية،حسب د.صادق جلال العظم، تعني «الحياد الإيجابي للدولة إزاء الأديان والمذاهب والطوائف والفرق الدينية الموجودة في مجتمع ما، وبخاصة في المجتمعات التي توجد فيها أقليات دينية كبيرة وفاعلة ومؤثرة.. وتعني العلمانية، بالتالي، الاستقلال النسبي للمجتمع المدني عن التحكم الرسمي به وبحياته العامة ومعاملاته ومبادلاته وفقاً لمبادئ دين (أو مذهب) الأكثرية وعقائده وشرائعه.. كما تعني المساواة بين المواطنين جميعاً أمام القانون بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية أو الإثنية، كما تعني صيانة حرية الضمير والمعتقد للجميع».

العَلمانية (بفتح العين)، نسبة للعالم وليس العلم، وهي نظرة شاملة للعالم، وتعنى بالانسان المحور الأساسي لهذا العالم وشؤونه، من علم وإيمان وأديان وفنون وغيرها. فهي ممارسة موضوعية محايدة لا تنحاز إلى دين أو طائفة بعينها، كما أنها تضمن الحريات السياسية والدينية والمدنية، لذا لا يمكن أن تكون العلمانية الديمقراطية عدائية للدين، بل هي على العكس من ذلك ضمان وحماية حقيقية لحرية الأديان والعقائد.

العلمانية الديمقراطية لا تتنافى مع الإسلام

-لأن العلمانية الديمقراطية ترفض مبدأ الاكراه وفرض الفكر/الأنظمة بالقوة، والاسلام كذلك، اتساقا مع الآيات الكريمة «فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر»، «لست عليهم بوكيل»، «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي».

-لا يوجد أي نص ديني يتعرض لمفهوم الدولة باستثناء الآية الكريمة العامة «وأمرهم شورى بينهم».. والنصوص الدينية لم تعط شرحا مفصلا ودقيقا ووافيا لشكل وطبيعة الدولة. أما بالنسبة للآية الكريمة «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»، نزلت في أهل الكتاب لأسباب ظرفية، بخصوص «دية القتيل لديهم وانحرافهم عما استقر عليه الحكم في شرعهم»، وانهم هم وحدهم المعنيون بهذه الآيات وليس المسلمين، كما ذكر معظم مفسري القرآن الثقات مثل القرطبي والسيوطي والطبري والزمخشري.

-يدعو الاسلام للاختلاف وعدم التقيد بمذهب واحد، لأن في الاختلاف رحمة، انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم «اختلاف أمتي رحمة»، والآية الكريمة «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، بالإضافة إلى قابلية التفسير المتعدد للنصوص الدينية الذي لا يعتمد على منهجية أحادية التفسير، والدليل اختلاف الأئمة حسب الرؤية والتفسير والفهم والمكان والزمان.

-العلمانية تكرس مقولة الرسول عليه الصلاة والسلام «أنتم أعلم بأمور دنياكم». فهي لا يمكن أن تكون ضد دين معين أو معه، وفي ذات الحين يستطيع المسلم وغير المسلم أن يكون علمانيا، لذلك لا نستطيع اعتبار العلمانية كفرا.. فالناس في الغرب يمارسون حرية المعتقد من عبادة وتعليم ديني ولكن الدولة لا ترعى دينا دون غيره، بل تتعامل مع كافة الأديان على قدم المساواة والتوازن. وقد ازدهرت الأديان في ظلها، وتحرر الناس والمؤمنون من الاضطهاد والاستعباد باسم الدين.

-العلمانية الديمقراطية لا تلغي الدين ولا تنكره، ففي فرنسا العلمانية لايزال للكنيسة تأثير على الأفراد والجماعات والسياسة، وملك انجلترا العلمانية هو رئيس الكنيسة الانجليكانية، وفي الولايات المتحدة العلمانية يقسم رئيس الجمهورية بالله عند تسلمه الرئاسة. بالإضافة إلى ذلك تستضيف تلك الدول العلمانية الآلاف من المسلمين وغيرهم، الذين اضطهدوا وطوردوا في بلادهم، وذلك لأن قيم التسامح، التي تعززها العلمانية الديمقراطية في دول الغرب، تسمح للمسلمين بحرية ممارسة شعائرهم وبناء مساجدهم ومكتباتهم وتكوين منظماتهم وحماية من يلجأ إليها هربا من الدول الاسلامية.

لماذا العلمانية الديمقراطية تحرر الدين من الاستغلال والاستبداد؟

-لأن العلمانية الديمقراطية لا تنحاز لفئة أو طائفة، ولأن الوطن للجميع وليس لفئة معينة؛ وعلى الرغم من أن لا وساطة ولا رهبانية في الاسلام، إلا أن مؤيدي الاسلام السياسي يستخدمون النصوص المقدسة ويقحمونها في اللعبة السياسية، غايتهم من ذلك تحويل الدولة برمتها إلى دولة ثيوقراطية خاصة لفئة من الوسطاء بين الله عز وجل وبين الناس، ومن ثم تعمل، تلك الفئة، لاخضاع المجتمع لمفاهيمها الخاصة. لذا أتت العلمانية لتحرر المؤمنين وغير المؤمنين من عبودية الكهنوت.

-لأنها ضد مبدأ فرض الآراء والاستبداد السياسي والديني، فاختلاط النصوص الدينية بالفهم البشري في كثير من الأمور يؤدي إلى ادعاء البعض باحتكارهم للحقيقة الدينية، وإلى إضافة القدسية على تفسيرهم الخاص للدين، والارتهان لمرجعية فكرية وحيدة وقطعية غير قابلة للنقد والمراجعة، ومن ثم تستخدم هذه النصوص لتعزيز سلطتهم وتبرير مظالمهم واستعبادهم للناس تحت حجة أنهم يحكمون باسم الله، ولنا في تاريخنا بطوله وعرضه عبرة.

-لأنها تكفل الحريات وتحميها، فهي ضد الفكر الالغائي الآحادي والمحاكمات الظالمة والتصفيات المعنوية والجسدية والتي تعتبرها انتهاكا لحرية الانسان وحقوقه، لذلك فالعلمانية الديمقراطية هي الضامن لهذه الحريات التي تتسامح وتتعايش مع مختلف الآراء والأفكار والمذاهب، والتي تعطي للانسان كامل الحرية في أن يفكر ويراجع، وتتيح للمؤمن أن يقوم بالنقد الديني بدون ترهيب وتكفير ونعوت بالإلحاد والزندقة التي من شأنها زرع الخوف في نفوس الناس وإلغاء العقول وتعطيل الابداع.. فالعلمانية الديمقراطية تحرر المؤمنين من سطوة الارهاب الفكري، وهي بذلك تتيح للمتدين الحفاظ على دينه، وتكفل لغير المتدين حريته، فلا يلجأ للنفاق الاجتماعي لادعاء إيمان لا يملكه إلا من ملك عقله وحريته.

لذا، فالعلمانية الديمقراطية، ليست كما يعتقد البعض تهدف الى تحرير المجتمع من الدين والايمان، بل على العكس من ذلك تماما، هي خير معين للدين والقيم الدينية ضد الاستغلال والاستبداد والاستعباد باسم الدين، لأن العلمانية الديمقراطية، ومن خلال حيادها الايجابي، تحترم وتقدر الآخر ودينه وقيمه ومبادئه، وتؤمن بمساهمته في اكتمال الانسان ومجتمعه.

لماذا العلمانية الديمقراطية أمر ضروري وملح لنهضة المجتمعات وتطورها؟

1 - لأنها تكرس الدولة المدنية التي لا تفرق بين مواطنيها سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو تعليمياً على أساس فكري أو خلقي أو ديني.

2 - لأنها تعنى بحماية حقوق المواطنين الفكرية والدينية، وذلك بترسيخ مبدأ التعددية من خلال قوانين البلد المناهضة لكل صور التمييز بين المواطنين، الا التمييز الايجابي المبني على عمل المواطنين وانتاجهم وخدمتهم للوطن.

3 - العلمانية الديمقراطية هي نظام سياسي/فكري، فيه مبدأ مطلق واحد وهو مبدأ المواطنية، أما ما عدا هذا المبدأ من مبادئ دينية أو قبلية أو معتقدية، فانها مبادئ قابلة للنقاش وللرفض والقبول من قاطني البلد العلماني، وليس لأي سلطة في البلد فرض أيٍّ من هذه المبادئ على المواطنين روحانياً أو في المنحى التطبيقي.

4 - تعزز العلمانية الممارسة الديمقراطية المبنية على أحزاب وطنية تنموية لا طائفية، وتنسق الممارسات السياسية في الدولة التي تنظم مصالح وتوجهات الناس من جماعات ضغط وجمعيات نفع عام وأحزاب وتكتلات سياسية، والتي تعد أداة مهمة لحركة المجتمعات وتطورها، حيث لا فرق بين هذه الجماعة أو تلك إلا بمقدار ما تقدمه من حلول وبرامج تنموية وتطويرية وعملية للاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة.

5 - لأنها تلتزم بتوفير دور عبادة لكل مواطنيها والمقيمين على أرضها، لممارسة عباداتهم بأمان وراحة وحرية، دون أدنى شعور بخوف وتمييز، طالما لم يتهدد الاجتماع الديني هذا أمن البلد أو يتعدى أفراده على قوانينه.

6 - وتلتزم بحماية التعليم العام عن منطق الحقيقة المطلقة لدين واحد معين، وذلك عن طريق فصل التعليم الديني عن التعليم المدني، مفسحة المجال لإنشاء مدارس دينية للأديان والطوائف المختلفة لمواطنيها الذين يسعون لتواجد مثل هذه المدارس على أرضها، وحفظ حقهم في إدراج أبنائهم في هذه المدارس بمحض ارادتهم واختيارهم.

7 - لأنها تعزز مبدأ فصل السلطات وتعزيز العمل المؤسساتي في ادارة الدولة، حيث السيادة للأمة والاحتكام للدستور المدني الذي لا تشوبه شائبة انحياز لفكر ديني أو قبلي واحد.

8 - لأن السيادة فيها للقانون، حيث لا مجال تحت مظلة هذا النظام للانحياز الديني أو الفكري أو القبلي أو لممارسة الواسطة أو لتقنين العنف الجسدي أو اللفظي تحت أي مسمى كان.

9 - لأنها نظام يقدس الحريات ويحميها من أي هجوم أو تعدٍ. فالعلمانية الديمقراطية تكرس العلم والعقلانية وتشجع البحث العلمي وتعزز منطق التشكك والمساءلة كأساليب بحثية تضمن التقدم في كافة مناحي الحياة، والتي لولاها لما تقدم علم ولما تطورت نظرية.

10 - لأنها ترفض محاصصة مؤسساته السياسية على أساس ديني، فلا كوتا دينية أو معتقدية، والوصول تحت هذ النظام هو للأصلح، بغض النظر عن دينه أو معتقده، وذلك لأن هذا الانسان القيادي لن يكون من تخصصاته أن يشرع دينياً أو أخلاقياً، وعليه لا خطر أو تأثيرا عقائديا لوصوله إلى سدة صنع القرار، أياً كان توجهه الديني أو معتقده.

11 - تحمي العلمانية الديمقراطية حرية الفكر والتعبير والنقد، إذ لا نهضة حضارية وعلمية ولا إبداع فكريا وثقافيا بدون حرية فكرية وسياسية واجتماعية، فهي ضد الارهاب الفكري المقيد للعقل الخلاق.

12 - لأن العلمانية الديمقراطية تؤمن بضرورة «العيش المشترك» مع الآخر، لأنه يشاركه الحق الوجودي والمعيشي والديني. لذا فانه من الضروري أن تعمم ثقافة العيش المشترك مع الآخر في إطار نظام مشترك بعيدا عن التعصب والتطرف القبلي والديني والطائفي، ليكون هناك مجتمع مدني متسامح وتعددي يقبل حق الاختلاف والتنوع.

عن موقع تنوير

هناك ٣ تعليقات:

  1. انا لن اقول الا من لايريد اقامة حدود الله الا الفاعل للمعاصي فهل احد يريد ان لايقيم حد الزنا الا زاني

    وان كنا لا نريد تطبيق دين الله وحدوده فلم نقول اننا مسلمين

    واخيرا نحن خلقنا في الارض لعمارتها بما يرضي الله اذا فالغاية هي عمارة الارض حسب امر الله فلم نبعد الدين عن حياتنا وهو بالاسس موضوع لنا لكي نتصرف به في كل شئون حياتنا

    ردحذف
  2. انا اظن ان فكرة ابعاد الدين عن الحكم فكرة خاطئة فالله عز وجل نزل لنا في كتابه و سنته كل الاحكام التي قد نحتاجها في حياتناو قد بين و وضح لنا كل شيءثم ان كنا لا نريد تطبيق دين الله وحدوده فلم نقول اننا مسلمين فلماذا تبعيد الدين عن الحكم ؟؟

    ردحذف
  3. شكراً على كل التوضيحات القيمة التي أتحفتنا بها في هذا المقال أخي هاني..

    ردحذف